إن
الحمد لله نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن
سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد
ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وبعد :-
فمن
المعروف أن طالب العلم الشرعي إذا لم يسترشد في بداية الطلب ، فإنه قد يضل
فهمه ، وتزل قدمه ، أو ينقطع في وسط الطريق ، فلا يحصّل علماً ، ولا
يَضْبِطُ قواعد ، ولا يُتقن فناً .
من أجل
ذلك كتبت كلمات مختصرة تجمع أطراف الموضوع ، ليقف طالب العلم في بداية
الطريق على الوسائل التي يجب أن يتخذها ، والركائز التي ينبغي أن يرتكز
عليها في طريقه لتحصيل العلم .
وقد
نُشرت هذه المقالات في مجلة التوحيد المصرية ، فقام الشباب بتصويرها
وتوزيعها ، فلما رأيت ذلك دفعتها للنشر ليعم النفع .
وأسال
الله - تعالى - أن ينفع بها قارئها ، وناشرها ، وكاتبها .
وسبحانك
اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
[center]تقديم
إن
الصحوة المباركة تشهد مزيداً من إقبال أبنائها على طلب العلم ، والتسابق
إلى ميدان الفقه ، لعلمهم أن العلم يُنير السبل ، ويوضح الطرق ، والجاهل
أعمى لا يُبصر ، أصم لا يسمع ، وإن سمع لا يعقل .
ولكن
بعض هؤلاء الفضلاء قد يبدأ الطريق من وسطه ، فيظل حيران بين مسارب العلم
ودروبه .
وبعضهم
قد يبدأ ولكنه يراوح بين قدميه ، ويمشي سريعاً ولكن مكانه ، وبعضهم يقفز
قفزاً ، فتخفى عليه بعض الدروب التي قد يقع في بعضها ، ولا يشعر بغبَّ ذلك
إلا وهو في تلك المهالك .
وآخرون
يتعجلون العلم كله ، فيفقدونه كله .
وأصحاب
النتف ، وذوو المسائل ، وطلاب المعضلات وأرباب النوازل .
لأولئك
ولغيرهم ، أردت أن أضع لبنة في صرح ، وخطوة على طريق ، مبيناً تلك الركائز
التي ينبغي أن يسير عليها الطالب ليصل إلى الغاية من أقرب طريق ، ويُحصِّل
العلم من أيس سبيل ، من خلال ثلاث حلقات متتابعات ، إن شاء الله تعالى .
الشيخ / وحيد عبد السلام بالي حفظه الله الركيزة الأولى
إخلاص النية
يجب
على طالب العلم أن يصحِّح النية في طلب العلم ، ويحسن القصد ، ويوحِّد
الوجهة ، ويُطهِّر القلب ، وينقي السريرة ، وذلك لأن العلم عبادة ، والله
يأمر بإخلاص العبادة ، فيقول ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين
) [ البينة:5 ] .
وحسن النية في طلب العلم : بأن يقصد به وجه الله تعالى
، والعمل به ، وإحياء الشريعة ، ونصر السنة ، وقمع البدعة ، وتنوير قلبه ،
وتزكية نفسه ، وتحلية باطنه ، والقرب من الله تعالى ، والتعرض لما أَعدَّ
لأهله من رضوانه ، وعظيم فضله ، وجزيل ثوابه .
قال سفيان الثوري - رحمه الله - : ما عالجت شيئاً أشد
عليَّ من نيتي .
ولا
يُقصد به الأغراض الدنيوية ، من تحصيل الرياسة والجاه والمال ومباهاة
الأقران ، وتعظيم الناس له ، وتصديره في المجالس ، ونحو ذلك ، فيستبدل الذي
هو أدنى بالذي هو خير .
قال أبو يوسف - رحمه الله - : ياقوم أريدوا الله
بعلمكم ، فإني لم أجلس مجلساً قط أنوي أن أتواضع إلا لم أقم حتى أعلوهم ،
ولم أجلس مجلساً قط أنوي فيه أن أعلوهم إلا لم أقم حتى أُفتضح .أ.هـ.
والعلم
عبادة من العبادات ، وقربة من القربات ، فإن خلصت فيه النية ، وحسنت
الطوية ، قبل وزكى ، ونمت بركته ، وإن قُصد به غير وجه الله تعالى حبط وضاع
، وذهبت بركته ، وتحققت خسارته .
وقد
قال النبي صلى الله عليه وسلم (( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امريء
ما نوى )) رواه الستة .
وقال
صلى الله عليه وسلم (( إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً ،
وابتُغى به وجهه )) رواه النسائي بسند جيد
وفى (
صحيح مسلم ) من حديث أبي هريرة في الثلاثة الذين يُقضى عليهم أول الناس .
(( ورجل تعلم العلم وعلمه ،
وقرأ القرآن ، فأُتى به ، فعرفهُ نعَمَهُ ، فعرفها . قال : فما عملت فيها ؟
قال : تعلمت العلم وعلمته ، وقرأتُ فيك القرآن . قال : كذبت ، ولكنَّك
تعلمت ليُقال : عالم ، وقرأت القرآن ليُقال : قاريء ، فقد قيل ، ثم أُمر به
فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار ....)) .
فالتكذيب هنا لا يعود على
قوله : (( تعلمت وعلمت ، وقرأت ))
لا ، بل حدث هذا فعلاً ،
ولكنه يعود على قوله : (( فيك )) أى لا أريد إلا وجهك .
فبين رب العزة أن هذا
المرائي كان يريد أوجهاً أخرى (( ليُقال ...فقد قيل ... )) .
وكان أبو هريرة - رضى الله عنه - إذا حدَّث بهذا الحديث أُغشي
عليه من شدة الخوف .
فاللهم
سلِّم ، سلِّم ، وصحح نياتنا ، وحسِّن مقاصدنا ، وطهِّر قلوبنا .
وليحذر
طالب العلم من المفاخرة به أو المجادلة .
فقد
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( من طلب العلم ليُباهي به العلماء ،
ويُماري به السفهاء ، أو ليصرف وُجُوه الناس إليه فهو في النار )) حسنه
الألباني .
وليحذر
طالب العلم من إرادة الدنيا بعلمه .
فقد
قال الحبيب صلى الله عليه وسلم : (( من تعلم علماً مما يُبتغي به وجه الله ،
لا يتعلمه إلا ليُصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة ))
يعني ريحها . صححه الألباني .
يتبع إن
شاء الله ......