مؤمن اسامة .. شبل مصري يؤم المصلين ويحلم بإمامة الحرم المكي بصوته الندي وخشوعه في تلاوة القرآن صار سببًا في تقوية إيمان الكثيرين
مع بداية شهر رمضان المبارك، سارع مئات المصريين من مختلف الفئات والطبقات
لأداء صلاة التراويح في مسجد "اللشينة" على أطراف محافظة الإسماعيلية خلف
"مؤمن".. الشبل الذي لا يتجاوز عمره الـ13 عامًا، فهم يرون أن صوته الندي
وخشوعه في تلاوة القرآن دائمًا ما يكونان مدعاة لصلاتهم خلفه.
يقول محمد سعيد، فني في إحدى المغاسل، اعتاد الصلاة خلف مؤمن: "أتتبع تنقلاته في
مساجد محافظتي الشرقية والإسماعيلية المتجاورتين، وأسعى دائمًا لأداء
الصلاة خلفه ليس إعجابًا بعذوبة صوته فقط وإنما لأن خشوع مؤمن في الصلاة
وأثناء تلاوة القرآن عادة ما يكون باعثًا لي على الصحوة من الغفلة إن قصرت
في حفظ القرآن الكريم، ودائمًا أذكِّر نفسي بهذا الطفل الصغير ومدى إتقانه
لكتاب الله فيكون بمثابة الدافع لي على استئناف رحلتي مع القرآن".
أما وليد مهدي، متخصص في التنمية البشرية، فيقول: "كنت أعتقد في البداية أن
مؤمن موهبة في تلاوة القرآن فقط حتى قادتني الصدفة في إحدى المرات للاستماع
إلى خطبة جمعة كان يلقيها في أحد المساجد، فوجدت أن هذا الطفل له مستقبل
بإذن الله في الخطابة والوعظ فمعلوماته غزيرة كما أن لديه قبولاً عامًا".
ويضيف أن "ترحيب هذا الطفل بالاستماع لكل ما يوجهه إليه الآخرون
من انتقادات أحيانًا علامة واضحة على أنه يحمل صفات الدعاة البارزين".
وتقول هانم هاشم: "استمعت لمؤمن في أول أيام رمضان من إحدى شرفات منزلي أثناء
أدائه لصلاة التهجد فجاء صوته باعثًا قشعريرة في جسدي فهممت ونزلت لأداء
الصلاة خلفه ووفقه الله في الابتهال في الدعاء لنصرة المسلمين في سوريا
وميانمار بصوت خاشع أجهش الجميع بالبكاء خلفه والتأثر بما فتح الله عليه من
أدعية استمرت ما يقرب من 40 دقيقة تقريبًا".
ولا
يتوقف الانبهار بمؤمن على صوته بل أيضًا يشمل موهبته في الخطابة التي بدأ
ممارستها حين كان عمره ثمانية أعوام، فقد ألقى هذا الصبي نحو 150 خطبة جمعة
ودروس وعظ في مساجد مختلفة بعدد من المحافظات المصرية.
من
معهد "آل نوح" التابع للأزهر بمحافظة الإسماعيلية، الذي يدرس فيه مؤمن في
الصف الثاني الإعدادي، إلى مجالس العلم التي قارب فيها أن يتم القراءات
العشر للقرآن الكريم إلى ممارسته رياضة كرة القدم في ملاعب النادي
الإسماعيلي ومنها لقلب ميدان التحرير خطيبًا وثائرًا أثناء ثورة يناير،
يقضي هذا الشبل حياته داخل بيت مصري بسيط بمدينة الإسماعيلية وسط أسرة
متوسطة الحال.
والده قعيد يستخدم كرسيًا متحركًا، وأمه موظفة بجامعة قناة السويس ولديه شقيقتان.
من
أعلى كرسي متحرك جلس الشيخ أسامة، والد مؤمن، يعلم طفله قراءة القرآن
ومخارج الحروف وطريقة الإلقاء والخطابة. وما أن بلغ الابن عامه العاشر حتى
كان قد أتم حفظ القرآن الكريم كاملاً، لم يمنعه عجزه عن الحركة من الانتقال
والسفر مع طفله إلى محافظات مصر المختلفة أثناء أدائه الصلاة وإلقائه
الخطب.
ومن
وراء النقاب الذي ترتديه، اغرورقت عينا والدة مؤمن بالدموع وهي تعبر عن
أملها في أن يحقق الله حلم صغيرها بأن يصبح أحد أئمة الحرم المكي الشريف،
وقالت: "أتمنى أن أراه يعتلي المنبر ويؤم المصلين داخل الحرم المكي الشريف
فهذا ما أحلم به".
وعن
حلمه بأن يكون أحد أئمة الحرم المكي، ارتسمت ابتسامة بريئة على وجه مؤمن،
وقال "أستذكر في اليوم ما يقرب من 10 ساعات في علوم القرآن والسنة أقوم
خلالها بمراجعة نحو خمسة أجزاء من القرآن يوميًا لأستزيد من العلم ما
يؤهلني لاعتلاء منبر الكعبة المشرفة".
ويضيف
مؤمن: "في البداية كنت أهاب اعتلاء المنابر خاصة أن البعض كان يعترض على
وجود طفل فوق المنبر يخطب في الناس ويقوم بإمامة المصلين، لكن ما أن ينصت
المصلون للخطبة حتى يطمئن قلبي وأستكمل دون رهبة".
ويتابع
قائلاً: "ذات مرة دعيت لإلقاء خطبة الجمعة في أحد المساجد بمدينة القنطرة
غرب الإسماعيلية، وما أن صعدت المنبر وبدأت في الخطبة حتى جاء أحد المصلين
وبدأ ينهرني ويوجه اللوم للمصلين لسماحهم لطفل صغير باعتلاء المنبر، ووقتها
كنت أستشعر الطمأنينة التي ألقاها الله حينها في صدري وابتسمت للرجل
واستكملت الخطبة وكان موضوعها عن أهوال يوم القيامة وعقب انتهاء الصلاة جاء
الرجل إلي يقبلني ويعتذر عما بدر منه، وهذا الأمر رسخ داخلي قناعة أن الله
هو صاحب الفضل علي في الثبات ولست أنا أو غيري".
ويواصل:
"من أجمل اللحظات التي مرت بي في حياتي لحظة إعلان تنحي مبارك عن الحكم في
11 فبراير/ شباط عام 2011، حيث كنت وقتها في ميدان الممر بالإسماعيلية
وأثناء أدائنا صلاة المغرب ظللت أدعو الله كثيرًا أن يكشف عن بلادنا الظلم،
ولحظتها سمعت صيحات التكبير وما أن انتهينا من الصلاة حتى علمنا أن مبارك
تنحى، ووقتها لم أتمالك نفسي من البكاء والضحك في آن واحد".