جريده الشروق
مليون حضن بين شيخ الأزهر والبابا شنودة، ومليون عشاء وحدة وطنية، وتريليون تصريح لمسئولين فى الحكومة بأن الوحدة الوطنية راسخة وأن الفتنة مستوردة ويغذيها الموساد.. كل ذلك لم يفلح فى الماضى ولن يفلح فى المستقبل فى منع تجدد الصدامات الطائفية التى لم نعد نندهش لها، بل وأصبح بعضنا يشجع عليها علنا.
ما حدث فى شارع الهرم ومبنى الخدمات الاجتماعى بالعمرانية قرب الطريق الدائرى صباح الأربعاء الماضى يعنى أن المارد خرج من القمقم وأن النموذج اللبنانى ليس مستبعد الحدوث فى مصر.
أعرف أن كثيرين سيرون أن هذا الاستنتاج مغرق فى التشاؤمية.
لكن المشكلة أن كثيرين يغيب عنهم أن الصدامات الطائفية والمذهبية التى تستمر سنوات، لم تكن تحتاج لأكثر من عود كبريت صغير طالما أن البنزين متوفر.
حالة الاستقطاب غير الطبيعية عقب اختفاء كاميليا شحاتة ثم تصريحات كل من الأنبا بيشوى والدكتور سليم العوا، تقول للأعمى إن الأمر خطير، وإن سياسة إيهام النفس بأن «كل شىء تمام» قد تساعد فى تسكين المشكلة، لكنها ستنهار قريبا.
أعواد الثقاب صارت كثيرة.. يكفى أن يعاكس شاب مسيحى فتاة مسلمة أو العكس فتشتعل فتنة، أو يؤدى المسيحيون الصلاة فى مبنى مهجور فيهاجمهم المسلمون،.
جميعنا يتحمل المسئولية من أول أهل الحكم الذين استغلوا ملف الكنيسة لتحقيق مصالح سياسية، نهاية بالإعلام، مرورا بالرؤية المشوشة لمواطنين كثيرين يعتقدون أنهم عندما يجعلون فتاة تعلن إسلامها فإن كل مشاكلهم سوف تنتهى.
أما الكنيسة فإنها تتحمل مسئولية كبرى خصوصا فى الفترات الأخيرة، فالواضح أن هناك أطرافا كثيرة داخلها تعتقد أن خير طريق للدفاع هو الهجوم.
ليس معقولا أن مبنى يتحول إلى كنيسة وهو لم يحصل على ترخيص رسمى بذلك.. قد يكون قانون البناء ظالما للمسيحيين، لكن كسره وتجاوزه ليس هو الحل.
هل اعتقد بعض شباب المسيحيين الطائش أو من وجههم صباح الأربعاء الماضى أن الظرف السياسى قبل الانتخابات بثلاثة أيام والتوتر المصرى ــ الأمريكى بشأن مراقبة الانتخابات وتقرير الكونجرس عن الحريات الدينية ــ سيجعلهم يحولون المبنى إلى كنيسة من دون اعتراض.. وهل عندما تعترض الأجهزة المحلية يتم اقتحام مبنى محافظة الجيزة وإغلاق الشوارع وإسالة الدماء. ما فعله متطرفو الأقباط فى الجيزة لن يستفيد منه سوى المتطرفين المسلمين.
فى هذا المكان انتقدت كثيرا سلوكيات مسلمين بشأن نظرتهم للمسيحيين واليوم حان الوقت لتوجيه رسالة للمتطرفين فى الجانب القبطى مفادها انهم لن يحصلوا على شىء عبر العنف والتهديد والاتبزاز.. عليهم أن يلاحظوا أن مئات المسلمين تظاهروا معهم صباح الأربعاء الماضى فى العمرانية دفاعا عن الوحدة الوطنية وعن حق الأقباط فى المواطنة الكاملة.. وذلك تطور ايجابى علينا أن نبنى عليه لا أن ننسفه.
مرة أخرى الأمر خطير.. إما أن تثبت الدولة أن هيبتها لم تسقط، أو لنستعد للطوفان.