شريف عبد العزيز
فيندوة صحفية عقدتها جريدة الأسبوع المصرية عام 1996 لمناقشة ظاهرة فساد بعضرجال الأعمال وكانت مع رجل الأعمال المصري أشرف السعد والذي كان مقيما فيلندن منذ أزمة شركات توظيف الأموال الشهيرة في مصر، أجرى نجيب ساويرسمداخلة هاتفية مع المناقشين في الندوة شن خلالها هجوما حادا علي أشرفالسعد وأحمد الريان، فرد عليه أشرف السعد بإجابة مختصرة كأنه ألقمه حجرا؛إذ قال له بالحرف الواحد: “أشرف السعد وأحمد الريان كان رأس مالهم فيالثمانينيات أكثر من عشرة مليارات دولار، في الوقت الذي لم يكن أحد يسمعشيئا عن عائلة ساويرس، فممكن تقولي من أين كل هذه الثروة الضخمة التي عندكالآن يا نجيب يا ساويرس؟”، فقطع نجيب الاتصال ولم يكمله.
هل بدأ ساويرس حقا من الصفر؟
[b]فيسنة 1966 شد أنسي عميد عائلة ساويرس رحاله إلي ليبيا باحثا عن طالعه، بعدأن أممت الثورة المصرية ممتلكاته كلها، فدخل ليبيا لا يحمل مليما واحدا،واستغل حالة الترهل السياسي القائمة هناك في ظل حكم الملكية، واستفاد منالنفوذ الأمريكي والإنجليزي هناك في “بيزنس” التوكيلات والمقاولات ونجح فيظل النظام الملكي، وأسس شركة جديدة مستفيدا من انتعاش عائدات النفط، فيبلد يعد ثاني أكبر منتج للنفط في أفريقيا، حيث قفزت أسعاره إلي أكثر منخمسة أضعاف في عام 1974، نتيجة الحرب العربية الإسرائيلية في 1973 واستمرأنسي يمارس نشاطه في ليبيا حتى عام 1975، بعد حرب أكتوبر 1973 تحولت مصرمن رأسمالية الدولة إلي رأسمالية السوق علي يد الرئيس أنور السادات، عبرما عرف في هذا الوقت بالانفتاح الاقتصادي. وأقام السادات علاقات أوثق معالولايات المتحدة بعد زيارته إلى إسرائيل في عام 1977. ومع سياسة التطبيعمع العدو الصهيوني بعد توقيع اتفاقية “كامب ديفيد”، بعدها قرر أنسي العودةإلي مصر والاستفادة من الأجواء القادمة في بناء إمبراطوريته الاقتصادية.
[b]وفي أواسط الثمانينيات وتحديدا سنة 1985 حدثت طفرة كبيرة في اقتصاديات عائلة ساويرس، حيث استطاع نجيب ساويرس الابنالأكبر لأنسي أن يحصل علي الجنسية الأمريكية بطريقة ما، رفض هو نفسهالإفصاح عنها في حواره مع إحدى شبكات التليفزيون الأمريكي وهي شبكةبلومبرج، وبعد حصوله علي الجنسية أسس شركة “كونتراك الدولية المحدودة”،بمدينة أرلنجتون، بولاية فرجينيا. وترأس نجيب ساويرس مجلس إدارة هذهالشركة (يمتلك حوالي 45% من أسهم الشركة)، وحيث إنه يحمل الجنسيةالأمريكية، أصبحت الشركة مؤهلة للحصول علي عقود عديدة من المقاولاتالممولة من الحكومة الأمريكية، خاصة وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون”،ولعبت هذه الشركة دورا رئيسيا في تكوين ما يعرف اليوم بإمبراطورية “عائلةساويرس”.
[b]أيأن بداية نجيب ساويرس كانت أمريكية، لكنه أضاف مجالا جديدا للأنشطة هوشركة “أوراسكوم للمقاولات” في منتصف ثمانينيات القرن الماضي للعمل في مجالاحتكار توكيلات بيع برامج الكومبيوتر في مصر.
[b]وفازتشركة “أوراسكوم للمقاولات” بعدة صفقات مع شركتي “هيوليت – باكارد”و”مايكروسوفت”. وبعد ذلك فاز بصفقات أخرى مع شركتي “سيسكو سيستمز”و”لوسينت” الأمريكيتين لبيع أجهزة تكنولوجيا المعدات في مصر.
[b]السؤالالذي يفرض نفسه علي كل المعلقين والمتابعين للصعود الصاروخي لإمبراطوريةساويرس، والنمو المذهل لحجم أرباحها، بحيث أصبحت زبونا مستديما علي ناديأثري أثرياء العالم، هو كيف استطاعت هذه الشركة أن تتحول من شركة يعمل بهاخمسة أشخاص فقط لا غير سنة 1980 إلي إمبراطورية عملاقة بهذا الحجم المهولخلال أقل من عشرين سنة – في عام 1997 كان ساويرس قد دخل نادي المليارديرات- وما السر وراء هذا التوسع الخرافي؟
[b]فتش عن أمريكا وإسرائيل
[b]منخلال البحث والتدقيق في مسيرة عائلة ساويرس نراها كانت تسير بصورة طبيعيةحتى سنة 1985 وهي السنة التي كانت مفصلية في حياة هذه الأسرة المثيرةللجدل، وهي السنة التي أسس فيها نجيب ساويرس شركة كونتراك الدوليةبالتعاون مع شركائه الأمريكان، ذلك أن نجيب ساويرس قد استطاع الحصول عليجزء كبير من تمويل عمليات توسعات شركة “أوراسكوم للإنشاء والصناعة” من دعمالحكومة الأمريكية، فقد حصلت الشركة علي قروض ضخمة من وكالة التنميةالدولية التي تقدم المساعدات الاقتصادية لدعم السياسة الخارجية الأمريكية،وشركة التمويل الدولية ذراع البنك الدولي لمنح القروض، والتي تتحرك بإمرةالولايات المتحدة، ومنذ عام 1990، توسعت شركة “كونتراك” بشكل كبير فيالشرق الأوسط، وفازت الشركة بالعديد من الصفقات الأمريكية في مجالالمقاولات والمشروعات العامة، والأهم من ذلك الصفقات التي فازت بها فيمجال مهمات وتوريدات “البنتاجون”؛ حيث حققت أرباح فاحشة من وراء هذهالصفقات. فقد قامت شركة كونتراك، بمعاونة شركة “أوراسكوم للإنشاءوالصناعة” من الباطن،“ بتنفيذ عقود وزارة الدفاع الأمريكية، وبلغت قيمةتلك المقاولات التي نفذت في مصر والبحرين وقطر وروسيا ما قيمته 467 مليوندولار في التسعينيات فقط ولدى “كونتراك” أعمال الآن في مصر وقطر وروسياوالبحرين، ولها مكاتب ومقار فرعية في كل من مصر وإسرائيل وقطر، وفي نهايةعام 2006 استحوذ ناصف ساويرس علي حصة تقدر بنحو 2.3% من أسهم شركة “تكساسللصناعات المحدودة” إحدى كبريات الشركات الأمريكية ومقرها في هيوستنبالولايات المتحدة، ولهذه الشركة علاقات قوية بإسرائيل.
[b]ثمجاءت حروب الإمبريالية الأمريكية في الشرق الأوسط في العراق وأفغانستانلكي تقتل الملايين من جماهير البلدين وتدمر المنشآت والبنية التحية لهما،لكي تنتعش علي دمار هذه الحروب القذرة من جديد الشركات الأمريكية، مثل“هاليبرتون” و”بيكتل” و”ادفانسيد سيستمز”. وانتعشت مع هؤلاء كونتراك ومعهاالشركة التوأم “أوراسكوم للإنشاء والصناعة”. فعلي مدار فترة حروبالإمبريالية الأمريكية في الشرق الأوسط من 2002 إلي 2005 أصبحت شركة“كونتراك” أكبر مقاول لتشييد المنشآت والقواعد العسكرية الأمريكية فيأفغانستان. فقد فازت بعقود قدرت بنحو 800 مليون دولار هناك، أما في مرحلةما بعد الحرب الأمريكية علي العراق، فقد حصلت “كونتراك” في عام 2004، كماتشير جريدة العربي، علي عقد بقيمة 325 مليون دولار لإعادة بناء عدد منالطرق وشبكات النقل العراقية، وفي نفس الوقت حصلت شركة موبينيل للاتصالاتعلي رخصة شبكة المحمول بالعراق بأرباح سنوية ضخمة.
[b]ساويرس من الاقتصاد إلي السياسة
[b]منذفترة بدأ نجيب ساويرس في التسلل للمطبخ السياسي في مصر والعامر بمختلفالتوجهات، وقد بدا أن دخوله للعبة السياسية في مصر قد جاء متواكبا معازدياد نفوذ رجال الأعمال في مجريات السياسية ودوائر صنع القرار، خاصة وأنحكومة الدكتور نظيف قد وصفها كثير من المراقبين بأنها حكومة رجال الأعمال،حتى تلك لحظة لم يكن في دخول ساويرس الحلبة السياسية مستغربا، فمن حقه وحقكل مواطن أن يدلي بدلوه في أمور وشؤون وطنه الذي يعيش فيه، ولكن ساويرسدخل باب السياسة بأجندته الخاصة، وبأهدافه المحددة، دخل لعبة السياسةلتوجيه الضربات والطعنات للنظام الاجتماعي والديني والرسمي والتاريخيلبلاد مصر العريقة، دخل ساويرس السياسة من أجل بث الفرقة وإشعال الفتنة،ليس لمصلحة انتخابية أو حزبية أو منافع دنيوية، إنما دخلها مدفوعا بالحقدوالكراهية لكل ما إسلامي في بلد هو الأكبر والأعرق في الأمة الإسلامية فيالمنطقة.
[b]ساويرسدخل السياسة مدعوما بآلته الإعلامية القوية التي سخرها لخدمة أغراضهالشريرة، ومن أجل إشعال الحرائق في بلد يئن من كثرة مشكلاته الداخليةوالخارجية، وبنظرة سريعة علي آرائه السياسية نجد أن الرجل لا يعلم منالأمور السياسية شيئا بقدر ما يريد النيل من الهوية الوطنية والإسلاميةللبلاد، وهذه عينة من بعض آرائه التي يسميها سياسية وهي في واقع أمرهادينية محضة:
[b]* عدم إطلاق الحريات بشكل كامل، لأنّ هذا سيأتي بقوى مثل الإخوان أو حماس، ويعيدنا خمسين عاما للوراء.
[b]* إغاثة المصريين لإخوانهم المستضعفين في غزة، أو نجدتهم من آلة الحرب الصهيونية سينقل طهران إلى بلادنا.
[b]* عندما أسير في الشارع، أشعر كما لو كنت في إيران من كثرة ما يرى من المحجبات.
[b]*إعلانه تدشين قناتين تلفزيونيتين بالإضافة إلى قناة “أو تي في” لمواجهة ماوصفه بتزايد النزعة المحافظة اجتماعيا ودينيا في مصر، ومواجهة “الجرعةالعالية” من البرامج الدينية في القنوات الأخرى.
[b]*هاجم المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن الإسلام هو المصدر الرئيسللتشريع في مصر، وجدد مطالبة الدولة بالعمل على إلغائها. وزعم ساويرس فيحديث لبرنامج “في الصميم” على قناة “BBC”أن خطورة هذه المادة أنك متقدرش تحاسب بها أحدا لأنه يتم المزج بين الدينوالسياسة، وأضاف :” وجود هذه المادة يؤدى إلى نسيان 15 مليون مسيحي فيمصر”، على حد تعبيره. ثم حرض ساويرس الأقباط على المطالبة بما أسماه“حقوقهم”، وقال :”يجب أن يدافع الأقباط عن حقوقهم ويأخذ كل مسيحي حقه”،وأضاف :”غالبية الأقباط سلبيون” أي أنه يدفعهم للثورة والانتفاضة ضدالنظام الذي يظلمهم علي حد زعمه.
[b]منخلال هذه العرض يتضح لنا أن إفرازات عقل وقلب ساويرس الأسود التي يسميهاحرية وسياسة ما هي إلا مطاعن صريحة وواضحة ضد الإسلام والمسلمينوالمجتمعات الإسلامية، وهي أبعد ما تكون عن السياسة والإستراتيجية، وماتزيده إلا افتضاحا وانكشافا أمام الجماهير التي دفعت من جيوبها وعرقجبينها ما ملئ به ساويرس خزائنه وانتفخت بها أرصدته البنكية حتى صار منأغني أغنياء العالم.
[b]ساويرس منصرا
[b]ساويرسبعد عاصفة احتجاج عاتية ضد تصريحاته وآرائه السياسية، ومطالبة الكثيرينبمحاكمته، وبالفعل تقدم العشرات من المصريين ببلاغات للنائب العام ضدساويرس يطالبون بمحاكمته بتهمة الإساءة للإسلام وتهديد السلام الاجتماعيوالأمن الوطني، أخذ ينسحب من المشهد السياسي شيئا فشيئا، ولكن ليس للسكونأو الهدوء كما يتظاهر بل لجولة أخرى ضد الإسلام والمسلمين.
[b]فقدأعلن ساويرس عن نيته اعتزال العمل الاقتصادي والسياسي والتفرغ للعملالخيري التطوعي والإنساني علي حد وصفه، وذلك في أعقاب أزمة فرع شركةموبينيل بالجزائر، والتي تضرر منها بشدة، واهتزت مكانته وهيبته فيالأسواق، خاصة بعد فشل جهوده الكثيرة في لي ذراع الحكومة الجزائرية، وقدأدت هذه الأزمة لهزة عنيفة في أوروبا فقد بموجبها ساويرس سيطرته علي شركةالاتصالات اليونانية ويند هيلاس.
[b]فقدكشفت مؤسسة تنصير أمريكية شهيرة مهتمة بدعم فقراء حول العالم في إطارعملية تبشير برسالة المسيح - حسب قولها - عن تعاونها في مصر مع شركةاتصالات شهيرة من أجل دعم ومساعدة فقراء في صعيد مصر، وقالت هيئة “هابيتاتانترناشيونال للإنسانية” إنها اشتركت مع الشركة المصرية لخدمات التليفونالمحمول “موبينيل” في حملة خيرية تم الترويج لها من خلال صحف وأجهزة إعلاممصرية طوال “شهر الصوم” عند المسلمين، على حد تعبير الهيئة، وكانت شركةموبينيل قد بثت إعلانات ترويج عن عمل المنظمة التنصيرية في شهر رمضان وضعتفي الشوارع والطرق الرئيسية في مصر وتم بث إعلانات لها في محطاتالتليفزيون المختلفة قام بتقديمها بصوته ممثل مصري قديم معروف ببدء بالقول“شكرا لـ 27 مليون مصري بيعمروا في بلدنا”. كما وضعت لوحات إعلانات عملاقةفي طرق مصرية عديدة على صورة طفل تبدو عليه ملامح أهل الصعيد المصري.
[b]طبعاقد يسارع البعض فيقول وما الضير أن يقوم الرجل بخدمة أبناء وطنه ويقفبجوارهم؟، هذا الأمر سيكون صحيحا لو تعاون الرجل مع المؤسسات الوطنيةوالدوائر الرسمية أو حتى الهيئات الخيرية التطوعية المصرية، لخدمة أبناءبلده الذين كانوا السبب الأول لثرائه الفاحش، ولكن أن يتعاون مع هيئةتنصرية صريحة تجهر بخططها ووسائلها التنصرية، وتقر بمنتهى الوضوح أنهاتسعي لنشر النصرانية، فهذا ليس له أي معني سوى أنها دعوة صريحة لنشرالفوضى والفتن ببر مصر، وحرب جديدة من نوع خفي ضد الإسلام والمسلمين،يرتدي فيها ساويرس مسوح المنصرين الذين يجوبون أدغال آسيا وفيافي أفريقيا،حاملين المعونات والغذاء والدواء في يد وفي الأخرى الإنجيل، فلا عجب إذاأن يكون نجيب ساويرس هو الشخصية الأشد بغضا لدي المصريين، لأنهم يرون فيهتهديدا مباشرا وقويا ضد ثوابتهم الاجتماعية وهويتهم الإسلامية وأمنهمالوطني.
[b]وأخيرامن المضحك المبكي في قضية ساويرس وتحولاته من البيزنيس إلي السياسة ثم إليالتنصير، أن شخصية بمثل هذا الكم الضخم من العداء والكراهية للإسلاموالمسلمين والمجتمعات الإسلامية، قد اختارتها طريقة أبي العزائم الصوفيةفي مصر لتكون شخصية العام الهجري سنة 1431 تقديرا لجهوده الواسعة في خدمةالعالم!!
[/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b]