اعتزازنا بهويتنا الإسلامية، إلا أننا نرفض سائر أشكال التمييز العنصري
بشتى تصنيفاتها، غير أننا وفي ضوء متابعتنا لاهتمامات الإعلام وضجيجه بين
حين وآخر لا نملك إلا أن ندين تلك المعايير المزدوجة في تعاطي الإعلام
الغربي (كتعبير عن السياسة الغربية بالطبع) مع مواقف المسلمين قياسا إلى
سواهم من الملل الأخرى، والأسوأ بالطبع أن يجد ذلك صداه في الإعلام العربي
أيضا، في ظل هيمنة الأنظمة على الجزء الأكبر منه، وأحيانا قطاعات من
متطرفي العلمانيين الذين لا يرقبون في مسلم إلاً ولا ذمة.
في هذه
السطور نرصد بعضا من مفارقات التعاطي الإعلامي مع بعض القضايا كنماذج لا
أكثر من تلك المعايير المزدوجة التي نتحدث عنها، ولعل أهم نموذج يمكن
التطرق إليه هو ذلك المتعلق بمسألة الفتاوى بين حاخامات اليهود وبين مشايخ
المسلمين.
قبل شهور سمعنا تصريحات الحاخام اليهودي الأشهر «عوفاديا
يوسف»، والتي دعا فيها على الفلسطينيين بالوباء والفناء، وهي لا تصل بحال
حدود فتاوى قتل الفلسطينيين والعرب، بمن فيهم الأطفال التي صدرت وما زالت
تصدر من لدن حاخامات كثر في الدولة العبرية. سيقال إن واشنطن قد أدانت
تصريحات «يوسف»، لكن ذلك لم يحدث إلا بسبب الموقع السياسي للرجل كمرشد
روحي لحركة مشاركة في الحكومة الإسرائيلية (شاس)، فيما وقع تجاهل سائر
فتاوى القتل العنصري الأخرى التي لم تتوقف في يوم من الأيام.
في شهر
رمضان الماضي قامت قناتا المنار والـ «أن بي أن» بوقف بث مسلسل «المسيح»
بسبب ضغوط من دوائر مسيحية لبنانية، وقد مرّ ذلك بشكل عابر لكأنه أمر
عادي، ولو حدث العكس من دوائر إسلامية لقامت الدنيا على «الظلاميين
الإسلاميين» الذي يحاربون حرية الإبداع.
حدث ذلك في الموقف من رواية
«عزازيل» العام الماضي، حيث هاجمتها دوائر مسيحية ورفعت قضايا ضدها ولم
يتوقف عند ذلك أحد، لكن الموقف كان مختلفا عندما اعترض بعض الإسلاميين قبل
سنوات على رواية «وليمة لأعشاب البحر»، مع أن اعتراضهم كان على نشر
الرواية بما احتوته من مصائب دينية وأخلاقية من جيوب الناس وليس من دار
نشر مستقلة.
في مصر، يقيم البابا شنودة معتقلات في الكنيسة للنساء
اللواتي أسلمن، ولا يتوقف أحد عند هذه الظاهرة، بينما تقوم الدنيا ولا
تقعد عندما يقوم شيخ بتكفير رجل أو امرأة بسبب موقف اتخذه، وها إن الأمر
يتكرر مع زوجة كاهن يحاول البعض تخليصها من الاعتقال، وإن وقع بعض التركيز
على هذه القضية الأخيرة من طرف بعض المسلمين، الأمر الذي يجد بعض الصدى
المتواضع في وسائل الإعلام.
نسمع كل يوم عن ممارسات حركة طالبان،
الأمر الذي تكرر منذ سنوات، ويحدث ذلك بالحق وبالباطل كما هو حال المرأة
التي جدع أنفها والتي جعلتها مجلة «تايم» الأميركية صورة وموضوع الغلاف مع
أن الحركة لا صلة لها بالأمر الذي نتج عن خلاف عائلي، لكن ممارسات «جيش
الرب» في أوغندا، وهي بشعة بكل المقاييس لا تتعرض لمثل ذلك التركيز
الإعلامي.
في الدولة العبرية، ترفض فئة من الأصوليين اليهود الغربيين
«الأشكناز» دخول أبناء طوائف يهودية أخرى «شرقية» لمدارس أبنائها، ولا
تغادر الضجة الدولة العبرية ذاتها، رغم أننا إزاء ممارسة موغلة في
العنصرية لو صدرت عن مسلمين لعلم بها العالم أجمع.
في العراق، استنكر
العالم أجمع مجزرة كنيسة النجاة في بغداد، وهي تستحق من دون شك، لكن دبّ
الصوت على تهجير نصف مسيحيي العراق كان جزءاً من الانحياز التقليدي ضد
المسلمين، والسبب أنه لو أتيح للعراقيين الآخرين تسهيلات هجرة لأوروبا كما
أتيحت للمسيحيين بعد الاحتلال وقبله لما ترددوا، مع العلم أن ما قتل من
المسيحيين قياسا إلى نسبتهم هو أقل بكثير مما قتل من المسلمين بشقيهم
السني والشيعي.
سيشير البعض إلى موجة الرفض لما أعلن عنه القس
الأميركي تيري جونز بخصوص حرق القرآن في ذكرى هجمات سبتمبر، لكن واقع
الحال أن الرفض قد ركز على إمكانية تأثير ذلك على الجنود الأميركان في
أفغانستان وليس على المبدأ نفسه.
يتوفر العنف في كل الملل والنحل،
ولم يحدث أن نُسب ذلك إلى الدين، بدليل الميليشيات المسيحية المتطرفة في
الولايات المتحدة، والعنف اليهودي في فلسطين، أما في الحالة الإسلامية
فينسب العنف إلى الدين بشكل مباشر، الأمر الذي يأتي ضمن مسار تشويه
الإسلام وليس محاربة العنف كما يقولون.
هو انحياز ضد المسلمين ليس في
وارد التوقف في القريب العاجل، وما يشجع عليه هو أن كثيراً من الأنظمة
العربية تبدو مرتاحة لوجوده، إذا لم تسهم فيه بهذا الشكل أو ذاك.
[/b][/size][/font][/justify]
*كاتب أردني
[/td][/tr]
[tr]
[td align="center"] [/td]
[/tr]
[tr]
[td width="100%" align="right"]
[/td][/tr][/table]