خادم الاسلام مؤسس المنتدى
| موضوع: مجلة التوحيد....توحيد رب العالمين هو سبب الأمن والتمكين 25/4/2011, 1:36 am | |
|
اعداد : د عبد العظيم بدوى نائب الرئيس العام
| غلاف مجلة التوحيد العدد 109 | قال الله تعالى: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» [النور: 55]. عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ الْمَدِينَةَ وَآوَتْهُمُ الأَنْصَارُ رَمَتْهُمْ الْعَرَبْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، كَانُوا لاَ يَبِيتُونَ إِلاَّ بِالسِّلاحِ، وَلاَ يُصْبِحُونَ إِلاَّ فِيهِ، فَقَالُوا: تَرَوْنَ نَعِيشُ حَتَّى نَبِيت آمِنِين مُطْمَئِنِينَ لاَ نَخَافُ إِلاَّ اللهُ؟! فَنَزَلَتْ «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ». [الحاكم ( 2/401) وصححه ووافقه الذهبي.]
ذلك وعد الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أن يستخلفهم في الأرض، وأن يمكّن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وأن يبدلهم من بعد خوفهم أمنًا. ذلك وعد الله، ووعد الله حق، ووعد الله واقع، ولن يخلف الله وعده. فما حقيقة ذلك الإيمان؟ وما حقيقة الصالحات؟ إن حقيقة الإيمان التي يتحقق بها وعد الله حقيقة ضخمة، تستغرق النشاط الإنساني كله، وتوجّه النشاط الإنساني كله، فما تكاد تستقر في القلب حتى تعلن عن نفسها في صورة عمل ونشاط، وبناء وإنشاء، موجّه كله إلى الله؛ لا يبتغي به صاحبه إلا وجه الله، وهي طاعة لله واستسلام لأمره في الصغيرة والكبيرة، لا يبقى معها هوى في النفس، ولا شهوة في القلب، ولا ميل في الفطرة، إلا وهو تبع لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله. فهو الإيمان الذي يستغرق الإنسان كله، بخواطر نفسه، وخلجات قلبه. وأشواق روحه، وميول فطرته، وحركات جسمه، ولفتات جوارحه، وسلوكه مع ربه في أهله ومع الناس جميعًا، يتوجه بهذا كله إلى الله، يتمثل هذا في قول الله سبحانه في الآية نفسها تعليلاً للاستخلاف والتمكين والأمن: «يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا» [النور: 55]، والشرك مداخل وألوان، والتوجه إلى غير الله بعمل أو شعور هو لون من ألوان الشرك بالله. ذلك الإيمان منهج حياة كامل، يتضمن كل ما أمر الله به، ويدخل فيما أمر الله به توفير الأسباب، وإعداد العدة، والأخذ بالوسائل، والتهيؤ لحمل الأمانة الكبرى في الأرض، أمانة الاستخلاف. [في ظلال القرآن(6/ 118)]. تلك هي حقيقة الإيمان: وأما الصالحات فهي جمع صالحة: وهي الأعْمال التي وصفها الشرع بأنها صلاح، وترك الأعمال التي وصفها الشرع بأنها فساد؛ لأن إبطال الفساد صلاح. والتعريف في «الصَّالِحَاتِ» للاستغراق، أي عملوا معظم الصالحات ومهماتها ومراجعها مما يعود إلى تحقيق كليات الشريعة، وحتى تجري حالة مجتمع الأمة على مسلك الاستقامة، وذلك يحصل بالاستقامة في الخويصة، وبحسن التصرف في العلاقة المدنية بين الأمة على حسب ما أمر به الدين أفراد الأمة، كلّ فيما هو من عمل أمثاله، الخليفة فمن دونه، وذلك في غالب أحوال تصرفاتهم، ولا التفات إلى الفلتات المناقضة، فإنها معفو عنها إذا لم يُسترسل عليها، وإذا ما وقع السعي في تداركها. والاستقامة في الخُويصة هي موجب هذا الوعد وهي الإيمان وقواعد الإسلام، والاستقامة في المعاملة هي التي بها تيسير سبب الموعود به. وقد بيَّن الله تعالى أصول انتظام أمور الأمة في تضاعيف كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، مثل قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» [النحل: 90]، وقوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ» [النساء: 76]، وقوله في سياق الذم: «وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ» [البقرة: 205]، وقوله: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ» [محمد: 22]. وبيّن الرسول صلى الله عليه وسلم تصرفات ولاة الأمور في شؤون الرعية ومع أهل الذمة ومع الأعداء في الغزو والصلح والمهادنة والمعاهدة، وبين أصول المعاملات بين الناس. فمتى اهتم ولاة الأمور وعموم الأمة باتباع ما وضّح لهم الشرع تحقق وعد الله إياهم بهذا الوعد الجليل. وهذه التكاليف التي جعلها الله قِوامًا لصلاح أمور الأمة، ووعد عليها بإعطاء الخلافة والتمكين والأمن، صارت بترتيب تلك الموعدة عليها أسبابًا لها، وكانت الموعدة كالمسبب عليها، فشابهت من هذه الحالة خطاب الوضع، وجُعل الإيمان عمودها، وشرطًا للخروج من عهدة التكليف بها، وتوثيقًا لحصول آثارها، بأن جعله جالب رضاه وعنايته، فبه يتيسر للأمة تناول أسباب النجاح، وبه يحف اللطف الإلهي بالأمة في أطوار مزاولتها واستجلابها، بحيث يدفع عنهم العراقيل والموانع، وربما حفّ بهم اللطف والعناية عند تقصيرهم في القيام بها، وعند تخليطهم الصلاح بالفساد فرفق بهم، ولم يعجّل لهم الشر، وتلوّم لهم في إنزال العقوبة. وقد أشار إلى هذا قوله تعالى: «وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاَغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ» [الأنبياء: 105- 107] يريد بذلك كله المسلمين. [التحرير والتنوير(18/ 283)]. وقد تضمنت الآية الكريمة ثلاثة وعود: الأول: «لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ»، الثاني: «وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ»، الثالث: «وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا». فما حقيقة الاستخلاف في الأرض؟ إنها ليست مجرد الملك والقهر والغلبة والحكم، إنما هي هذا كله على شرط استخدامه في الإصلاح والتعمير والبناء، وتحقيق المنهج الذي رسمه الله للبشرية كي تسير عليه؛ وتصل عن طريقه إلى مستوى الكمال المقدر لها في الأرض، اللائق بخليقة أكرمها الله. إن الاستخلاف في الأرض قدرة على العمارة والإصلاح، لا على الهدم والإفساد، وقدرة على تحقيق العدل والطمأنينة، لا على الظلم والقهر، وقدرة على الارتفاع بالنفس البشرية والنظام البشري، لا على الانحدار بالفرد والجماعة إلى مدارج الحيوان! وهذا الاستخلاف هو الذي وعده الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات. وعدهم الله أن يستخلفهم في الأرض كما استخلف المؤمنين الصالحين قبلهم ليحققوا النهج الذي أراده الله، ويقرروا العدل الذي أراده الله، ويسيروا بالبشرية خطوات في طريق الكمال المقدر لها يوم أنشأها الله. فأما الذين يملكون فيفسدون في الأرض، وينشرون فيها البغي والجور، وينحدرون بها إلى مدارج الحيوان، فهؤلاء ليسوا مستخلفين في الأرض، إنما هم مبتلون بما هم فيه، أو مبتلى بهم غيرهم، ممن يسلطون عليهم لحكمة يقدرها الله. آية هذا الفهم لحقيقة الاستخلاف قوله تعالى بعده: «وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ»، وتمكين الدين يتم بتمكينه في القلوب، كما يتم بتمكينه في تصريف الحياة وتدبيرها، فقد وعدهم الله إذن أن يستخلفهم في الأرض، وأن يجعل دينهم الذي ارتضى لهم هو الذي يهيمن على الأرض، ودينهم يأمر بالإصلاح، ويأمر بالعدل، ويأمر بالاستعلاء على شهوات الأرض، ويأمر بعمارة هذه الأرض، والانتفاع بكل ما أودعها الله من ثروة، ومن رصيد، ومن طاقة، مع التوجه بكل نشاط فيها إلى الله. [في ظلال القرآن(6/ 118)]. «وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ» عطف على «لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ»، والكلام فيه كالكلام فيه، وتأخيره عنه مع كونه أجل الرغائب الموعودة وأعظمها لما أنه كالأثر للاستخلاف المذكور. وقيل: لما أن النفوس إلى الحظوظ العاجلة أميل، فتصدير المواعيد بها في الاستمالة أدخل، والتمكين في الأصل جعل الشيء في مكان، ثم استعمل في لازمه وهو التثبيت، والمعنى: ليجعلن دينهم ثابتاً مقررًا، بأن يعلي سبحانه شأنه، ويقوي بتأييده تعالى أركانه، ويعظم أهله في نفوس أعدائهم الذين يستغرقون النهار والليل في التدبير لإطفاء أنواره، ويستنهضون الرجال والخيل للتوصل إلى إعفاء آثاره، فيكونون بحيث ييأسون من التجمع لتفريقهم عنه ليذهب من البين، ولا تكاد تحدثهم أنفسهم بالحيلولة بينهم وبينه ليعود أثرًا بعد عين. وتقديم الجار والمجرور على المفعول الصريح للمسارعة إلى بيان كون الموعود من منافعهم مع التشويق إلى المؤخر، ولأن في توسيطه بينه وبين وصفه، أعني قوله تعالى: «الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ»، وتأخيره عن الوصف من الإخلال بجزالة النظم الكريم ما لا يخفى، وفي إضافة الدين وهو دين الإسلام إليهم، ثم وصفه بارتضائه لهم من مزيد الترغيب فيه والتثبيت عليه. [روح المعاني(18 /208)]. وتمكين الدين: انتشاره في القبائل والأمم وكثرة متبعيه. استعير التمكين الذي حقيقته التثبيت والترسيخ لمعنى الشيوع والانتشار؛ لأنه إذا انتشر لم يخش عليه الانعدام، فكان كالشيء المثبَّت المرسّخ، وإذا كان متَّبعوه في قلة كان كالشيء المضطرب المتزلزل. وهذا الوعد هو الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، منها حديث ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا». [مسلم 2889]. وقوله: «لَهُمْ» مقتضى الظاهر فيه أن يكون بعد قوله: «دِينَهُمُ»؛ لأن المجرور بالحرف أضعف تعلقًا من مفعول الفعل، فقدم «لَهُمْ» عليه للإيماء إلى العناية بهم، أي بكون التمكين لأجلهم، كتقديم المجرور على المفعولين في قوله: «أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ» [الشرح: 1- 2]. وإضافة الدين إلى ضميرهم لتشريفهم به، لأنه دين الله، كما دل عليه قوله عقبه: «الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ»، أي الذي اختاره ليكون دينهم، فيقتضي ذلك أنه اختارهم أيضاً ليكونوا أتباع هذا الدين. وفيه إشارة إلى أن الموصوفين بهذه الصلة هم الذين ينشرون هذا الدين في الأمم؛ لأنه دينهم فيكون تمكنه في الناس بواسطتهم. وإنما قال: «وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا» ولم يقل: وليؤمننهم، كما قال في سابقَيْه؛ لأنهم ما كانوا يطمحون يومئذٍ إلا إلى الأمن، كما ورد في حديث أبي العالية المتقدم آنفًا، فكانوا في حالة هي ضد الأمن، ولو أعطوا الأمن دون أن يكونوا في حالة خوف لكان الأمن مِنّة واحدة. وإضافة الخوف إلى ضميرهم للإشارة إلى أنه خوف معروف مقرر. وتنكير «أَمْنًا» للتعظيم، بقرينة كونه مبدّلاً من بعد خوفهم المعروف بالشدة. والمقصود: الأمن من أعدائهم المشركين والمنافقين. وفيه بشارة بأن الله مزيل الشرك والنفاق من الأمة. [التحرير والتنوير(18/ 287)]. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ- رَحِمَهُ اللهُ-: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: هَذِهِ الآيَةُ وَعْدُ حَقٍّ، وَقَوْلُ صِدْقٍ، يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ إمَامَةِ الْخُلَفَاءِ الأَرْبَعَةِ، لأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْهُمْ أَحَدٌ فِي الْفَضِيلَةِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا، فَأُولَئِكَ مَقْطُوعٌ بِإِمَامَتِهِمْ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمْ. وَصَدَقَ وَعْدُ اللهِ فِيهِمْ، وَكَانُوا عَلَى الدِّينِ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ، وَاسْتَقَرَّ الأَمْرُ لَهُمْ، وَقَامُوا بِسِيَاسَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَذَبُّوا عَنْ حَوْزَةِ الدِّينِ، فَنَفَذَ الْوَعْدُ فِيهِمْ، وَصَدَقَ الْكَلامُ فِيهِمْ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا الْوَعْدُ بِهِمْ يُنْجَزُ، وَفِيهِمْ نَفَذَ، وَعَلَيْهِمْ وَرَدَ، فَفِيمَنْ يَكُونُ إذَنْ؟ وَلَيْسَ بَعْدَهُمْ مِثْلُهُمْ إلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَلا يَكُونُ فِيمَا بَعْدَهُ. قَامَ أَبُو بَكْرٍ بِدَعْوَةِ الْحَقِّ، وَاتِّفَاقِ الْخَلْقِ، وَوَاضِحِ الْحُجَّةِ، وَبُرْهَانِ الدِّينِ، وَأَدِلَّةِ الْيَقِينِ، فَبَايَعَهُ الصَّحَابَةُ، ثُمَّ اُسْتُخْلِفَ عُمَرُ فَلَزِمَتْ الْخِلاَفَةُ، وَوَجَبَتْ النِّيَابَةُ، وَتَعَيَّنَ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ، ثُمَّ جَعَلَهَا عُمَرُ شُورَى، فَصَارَتْ لِعُثْمَانَ بِالنَّظَرِ الصَّحِيحِ، وَالتَّبْجِيلِ الصَّرِيحِ، وَالْمَسَاقِ الْفَسِيحِ، جَعَلَ الثَّلاَثَةَ أَمْرَهُمْ إلَى ثَلاَثَةٍ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ نَفْسَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ إلَى مَنِ اخْتَارَهُ مِنْ الرَّجُلَيْنِ، فَاخْتَارَ عُثْمَانَ، وَمَا عَدَلَ عَنْ الْخِيَارِ، وَقَدَّمَهُ وَحَقُّهُ التَّقْدِيمُ عَلَى عَلِيٍّ. ثُمَّ قُتِلَ عُثْمَانُ مَظْلُومًا فِي نَفْسِهِ، مَظْلُومًا جَمِيعُ الْخَلْقِ فِيهِ، فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ عَلِيٌّ، أَخْذًا بِالأَفْضَلِ فَالأَفْضَلِ، وَانْتِقَالاً مِنْ الأَوَّلِ إلَى الأَوَّلِ، فَلاَ إشْكَالَ لِمَنْ جَنَفَ عَنِ الْمُحَالِ، أَنَّ التَّنْزِيلَ عَلَى هَؤُلاءِ الأَرْبَعَةِ وَعْدُ اللهِ فِي هَذِهِ الآيَةِ. [أحكام القرآن لابن العربي(3/ 1392)]. وقال ابن كثير- رَحِمَهُ اللهُ-: روى مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لاَ يَزَالُ أَمْرُ النَّاسِ مَاضِيًا مَا وَلِيَهُمُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ» [مسلم 1821]. وهذا الحديث فيه دلالة على أنه لا بد من وجود اثني عشر خليفة عادل، وليسوا هم بأئمة الشيعة الاثني عشر، فإن كثيرًا من أولئك لم يكن إليهم من الأمر شيء، فأما هؤلاء فإنهم يكونون من قريش، يَلُون فيعدلون. وقد وقعت البشارة بهم في الكتب المتقدمة، ثم لا يشترط أن يكون متتابعين، بل يكون وجودهم في الأمة متتابعًا ومتفرقًا، وقد وُجِد منهم أربعة على الولاء، وهم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، رضي الله عنهم. ثم كانت بعدهم فترة، ثم وُجِد منهم ما شاء الله، ثم قد يُوجَد منهم مَن بقي في وقت يعلمه الله. ومنهم المهدي الذي يطابق اسمُه اسمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنيته كنيته، يملأ الأرض عدلاً وقسطًا، كما ملئت جورًا وظلمًا. [تفسير القرآن العظيم (3/ 301)]. وهكذا تحقق وعد الله، وظل متحققًا وواقعًا ما قام المسلمون على شرط الله: «يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا» لا من الآلهة ولا من الشهوات، ويؤمنون ويعملون صالحًا، ووعد الله مذخور لكل من يقوم على شرطه من هذه الأمة إلى يوم القيامة. إنما يبطئ النصر والاستخلاف والتمكين والأمن؛ لتخلف شرط الله في جانب من جوانبه الفسيحة، أو في تكليف من تكاليفه الضخمة، حتى إذا انتفعت الأمة بالبلاء، وجازت الابتلاء، وخافت فطلبت الأمن، وذلت فطلبت العزة، وتخلفت فطلبت الاستخلاف، كل ذلك بوسائله التي أرادها الله، وبشروطه التي قررها الله، تحقق وعد الله الذي لا يتخلف، ولا تقف في طريقه قوة من قوى الأرض جميعًا. إن الإسلام حقيقة ضخمة لا بد أن يتأملها من يريد الوصول إلى حقيقة وعد الله في تلك الآيات، ولا بد أن يبحث عن مصداقها في تاريخ الحياة البشرية، وهو يدرك شروطها على حقيقتها، قبل أن يتشكك فيها أو يرتاب، أو يستبطئ وقوعها في حالة من الحالات. إنه ما من مرة سارت هذه الأمة على نهج الله، وحكّمت هذا النهج في الحياة، وارتضته في كل أمورها، إلا تحقق وعد الله بالاستخلاف والتمكين والأمن. وما من مرة خالفت عن هذا النهج إلا تخلّفت في ذيل القافلة، وذلت، وطرد دينها من الهيمنة على البشرية، واستبد بها الخوف، وتخطفها. ألا وإن وعد الله قائم. ألا وإن شرط الله معروف. فمن شاء الوعد فليقم بالشرط، «يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا». [في ظلال القرآن 6/ 120و121]. والحمد لله رب العالمين. | |
|